الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقوله الحق: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} وصف للمنافقين، ويتربص فلان بفلان. اي أن واحدًا يتحفز ليتحسس أخبار آخر، ويرتب حاجته منه على قدر ما يرى من أخبار، وعرفنا هذا المعنى من قوله الحق: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52]ويتربص المنافقون بالمؤمنين لأنهم إن وجدوا خيرًا قد أتى لهم فهم يريدون الاستفادة منه، وإن جاء شر فالمنافقون يتجهون للاستفادة من الخصوم، فظاهرًا هم يعلنون الإيمان وهم في باطنهم كفار. وهم يتربصون بالمؤمنين انتظارًا لما يحدث وليرتبوا أمورهم على ما يجيء.{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ} فإن فتح الله بنصره على المؤمنين في معركة وأخذوا مغانم قال المنافقون: {أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ}، فلابد لنا من سهم في هذه الغنيمة. وإذا انتصر الكفار يذهبون إلى الكافرين مصداقًا لقول الحق: {وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}.هم يحاولون إذن الاستفادة من الكفار بقولهم: لقد تربصنا بالمؤمنين وانتظرنا ما يحدث لهم، ولابد لنا من نصيب، ويقول الحق على ألسنتهم: {قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} واستحوذ على الشيء أي حازه وجعله في حيزه وملكه وسلطانه. والحق هو القائل: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة: 19]أي جعلهم الشيطان في حيزه، وقول المنافقين للكافرين: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} يكشف موقفهم عندما تقوم معركة بين معسكري الكفر والإيمان فيحاول المنافقون معرفة تفاصيل ما ينويه المؤمنون، ولحظة أن يدخل المنافقون أرض المعركة فهم يمثلون دور من يأسر الكافرين حماية لهم من سيوف المؤمنين. ثم يقولون للكافرين: نحن استحوذنا عليكم أي منعناكم أن يقتلكم المؤمنون، ويطلبون منهم الثمن.ولنر الأداء البياني للقرآن حين يقول عن انتصار المؤمنين: {فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ} أما تعبير القرآن عن انتصار الكافرين فيأتي بكلمة {نصيب} أي مجرد شيء من الغلبة المؤقتة. ثم يأتي القول الفصل من الحق: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.وحين يرد الله أمر الكافرين والمؤمنين لا يرده دائمًا إلى أمد قد لا يطول أجل السامع وعمره ليراه في الدنيا، فيأتي له بالمسألة المقطوع بها؛ لذلك لا يقول للمؤمن: إنك سوف تنتصر. فالمؤمن قد يموت قبل أن يرى الانتصار. ولذلك يأتي بالأمر المقطوع وهو يوم القيامة حين تكون الجنة مصيرًا مؤكدًا لكل مؤمن؛ لأن الحياة أتفه من أن تكون ثمنًا للإيمان.ويعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم ألا نطلب الثمن في الدنيا؛ لأن الغايات تأتي لها الأغيار في هذه الدنيا، فنعيم الحياة إما أن يفوت الإنسان وإما أن يفوته الإنسان. وثمن الإيمان باقٍ ببقاء من آمنت به.إن القاعدة الإيمانية تقول: من يعمل صالحًا يدخل الجنة، والحق يقول عن هؤلاء الصالحين: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107]أي أن الجنة باقية بإبقاء الله لها، وهو قادر على إفنائها، أما رحمة الله فلا فناء لها لأنها صفة من صفاته وهو الدائم أبدًا. وحين يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي لن يوجد نقض لهذا الحكم؛ لأنه لا إله إلا هو وتكون المسألة منتهية. وقد حكم الحق سبحانه وتعالى على قوم من أقارب محمد صلى الله عليه وسلم، لقد حكم الله على عم الرسول، فقال فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} [المسد: 1- 5]قول الحق سبحانه: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} يدل على أن أبا لهب سيموت على الكفر ولن يهديه الله للإيمان، مع أن كثيرًا من الذين وقفوا من رسول الله مواقف العداء آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشهد معسكر الكفر فقدان عددٍ من صناديده، ذهبوا إلى معسكر الإيمان، فها هوذا عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم كل هؤلاء آمنوا. فما الذي كان يدري محمدًا صلى الله عليه وسلم أن أبا لهب لن يكون من هؤلاء؟ ولماذا لم يقل أبو لهب: قال ابن أخي: إنني سأصلى نارًا ذات لهب، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وقلت كلمة الإيمان. لكنه لم يقل ذلك وعلم الله الذي حكم عليه أنه لن يقول كلمة الإيمان.ألم يكن باستطاعة أبي لهب وزوجه أن يقولا في جمع: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويتم انتهاء المسألة؟ ولكن الله الذي لا معقب لحكمه قد قضى بكفرهم، وبعد أن ينزل الحق هذا القول الفصل في أبي لهب وزوجه يأتي قول الحق في ترتيبه المصحفي ليقول ما يوضح: إياكم أن تفهموا أن هذه القضية تنقض، فسيصلى أبو لهب نارًا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب، وقال الحق بعدها مباشرة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1- 2]فلا أحد سيغير حكم الله.إذن فقوله الحق: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي لا معقب لحكم الله، فلا إله غيره يعقب عليه. {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وهذه نتيجة لحكم الله، فلا يمكن أن يحكم الله للكافرين على المؤمنين. ولن يكون للكافرين حجة أو قوة أو طريق على المؤمنين. وهل هذه القضية تتحقق في الدنيا أو في الآخرة؟ ونعلم أن الحق يحكم في الآخرة التي تعطلت فيها الأسباب، ولكنه جعل الأسباب في الدنيا، فمن أخذ بالأسباب فنتائج الأسباب تعطيه؛ لأن مناط الربوبية يعطي المؤمن والكافر، فإن أخذ الكافرون بالأسباب ولم يأخذ المؤمنون بها، فالله يجعل لهم على المؤمنين سبيلًا، وقد ينهزم المؤمنون أمام الكافرين.والحكمة العربية تعلمنا: إياك أن تعتبر أنّ الخطأ ليس من جند الصواب. لأن الإنسان عندما يخطئ يُصَحَّحُ له الخطأ، فعندما يعلم المدرس تلميذه أن الفاعل مرفوع، وأخطأ التلميذ مرة ونصب الفاعل؛ فهذا يعني أنه أخذ القاعدة أولأً ثم سها عنها، والمدرس يصحح له الخطأ، فتلتصق القاعدة في رأس التلميذ بأن الفاعل مرفوع. وهكذا يكون الخطأ من جنود الصواب. والباطل أيضًا من جنود الحق.فعندما يستشرى الباطل في الناس يبرز بينهم هاتف الحق. وهكذا نرى الباطل نفسه من جند الحق، فالباطل هو الذي يظهر اللذعة من استشراء الفساد، ويجعل البشر تصرخ، وكذلك الألم الذي يصيب الإنسان هو من جنود الشفاء؛ لأن الألم يقول للإنسان: يا هذا هناك شيء غير طبيعي في هذا المكان. ولولا الألم لما ذهب الإنسان إلى الطبيب.علينا- إذن- أن نعرف ذلك كقاعدة: الخطأ من حنود الصواب، والباطل من جنود الحق، والألم من جنود الشفاء، وكل خطأ يقود إلى صواب، ولكن بلذعة، وذلك حتى لا ينساه الإنسان. وتاريخ اللغة العربية يحكي عن العلامة سيبويه، وهو من نذكره عندما يلحن أحد بخطأ في اللغة؛ فنقول: أغضب المخطئ سيبويه؛ لأن سيبويه هو الذي وضع النحو والقواعد حتى إننا إذا أطلقنا كلمة الكتاب في عرف اللغة فالمعنى ينصرف إلى كتاب سيبويه؛ فهو مؤلف الكتاب.وسيبوبه لم يكن أصلًا عالم نحو، بل كان عالم قراءات للقرآن، حدث له أن كان جالسًا وعيبت عليه لحنة في مجلس، أي أنه أخطأ في النحو وعاب عليه من حوله ذلك، فغضب من نفسه وحزن، وقال: والله لأجيدن العربية حتى لا ألحن فيها. وأصبح مؤلفًا في النحو.ومثال آخر: الإمام الشاطبي رضي الله عنه لم يكن عالم قراءات بل كان عالمًا في النحو، وبعد ذلك جاءت له مشكلة في القراءات فلم يتعرف عليها، فأقسم أن يجلس للقراءات ويدرسها جيدًا. وصار من بعد ذلك شيخًا للقراء. فلحنة- أي غلطة- هي التي صنعت من سيبويه عالمًا في النحو، ومشكلة وعدم اهتداء في القراءات جعل من الإمام الشاطبي شيخًا للقراء؛ على الرغم من أن سيبويه كان عالم قراءات، والشاطبي كان رجل نحو.ولذلك أكررها حتى نفهمها جيدًا: الخطأ من جنود الصواب، والباطل من جنود الحق، والألم من جنود الشفاء والعافية.وقد نجد الكافرين قد انتصروا في ظاهر الأمر على المؤمنين في بعض المواقع مثل أُحد، وكان ذلك للتربية؛ ففي أحد خالف بعض المقاتلين من المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الهزيمة مقدمة للتصويب، وكذلك كانت موقعة حنين حينما أعجبتهم الكثرة: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25]والشاعر العربي الذي تعرض لهذه المسألة قال: إن الهزيمة لا تكون هزيمة إلا إذا لم تقتلع أسبابها لكن إذا جهدت لتطرد شائبًا فالحمق كل الحمق فيمن عابها.فعندما يقتلع الإنسان أسباب الهزيمة تصبح نصرًا، وقد حدث ذلك في أحد، هم خالفوا في البداية فغلبهم الأعداء، ثم كانت درسًا مستفادًا أفسح الطريق للنصر.فإن رأيت أيها المسلم للكافرين سبيلًا على المؤمنين فلتعلم أن الإيمان قد تخلخل في نفوس المسلمين فلا نتيجة دون أسباب، وإن أخذ المؤمنون بالأسباب أعطاهم النتائج. فهو القائل: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]فإن لم يعدّ المؤمنون ما استطاعوا، أو غرّتهم الكثرة فالنتيجة هي الهزيمة عن استحقاق، وعلى كل مؤمن أن يضع في يقينه هذا القول الرباني: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43]إن إعلان الإيمان بالله ليس هو نهاية أي شيء بل هو البداية، والمؤمن بالله يأخذ جزاءه على قدر عمله. ويغار الله على عبده المؤمن عندما يخطئ، لذلك يؤدبه ويربيه- ولله المثل الأعلى- نجد أن الإنسان منا قد لا يصبر على مراجعة الدروس مع أولاده فيأتي بمدرس ليفعل ذلك؛ لأن حب الأب لأولاده يدفع الأب للانفعال إذا ما أخطأ الولد، وقد يضربه. أما المدرس الخارجي فلا ينفعل؛ بل يأخذ الأمور بحجمها العادي. إذن فكلما أحب الإنسان فهو يتدخل بمقياس الود ويقسو أحيانًا على من يرحم.والشاعر العربي يقول:
ومثال آخر- ولله المثل الأعلى- الإنسان إذا ما دخل منزله ووجد في صحن المنزل أطفالًا يلعبون الميسر منهم ابنه وابن الجار، وطفل آخر لا يعرفه، فيتجه فورًا إلى ابنه ليصفعه، ويأمره بالعودة فورًا إلى الشقة، أما الأولاد الآخرون فلن يأخذ ابن الجار إلا كلمة تأنيب، أما الطفل الذي لا يعرفه فلن يتكلم معه.وهكذا نجد العقاب على قدر المحبة والود، والتأديب على قدر المنزلة في النفس. ومن لا نهتم بأمره لا نعطي لسلوكه السيئ بالًا. وساعة نرى لأن للكافرين سبيلًا على المؤمنين فلنعلم أن قضية من قضايا الإيمان قد اختلت في نفوسهم، ولا يريد الله أن يظلوا هكذا بل يصفيهم الحق من هذه الأخطاء بأن تعضهم الأحداث. فينتبهوا إلى أنهم لا يأخذون بأسباب الله. اهـ. .من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة: قال رحمه الله:{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}الْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِ الْبِشَارَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الْإِخْبَارِ بِمَا يَسُرُّ، فَهِيَ إِذًا مَأْخُوذَةٌ مِنَ انْبِسَاطِ بَشْرَةِ الْوَجْهِ، كَمَا أَنَّ السُّرُورَ مَأْخُوذٌ مِنَ انْبِسَاطِ أَسَارِيرِهِ، وَعَلَى هَذَا يَقُولُونَ: إِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِيمَا يَسُوءُ كَمَا هُنَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّهَكُّمِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْبِشَارَةَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُسِرُّ وَفِيمَا يَسُوءُ اسْتِعْمَالًا حَقِيقِيًّا؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا الْإِخْبَارُ بِمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي بَشْرَةِ الْوَجْهِ فِي الِانْبِسَاطِ وَالتَّمَدُّدِ، أَوِ الِانْقِبَاضِ وَالتَّغَضُّنِ، وَالْأَلِيمُ: الشَّدِيدُ الْأَلَمِ.ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُبَشِّرِينَ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ الْمُعَادِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءً وَأَنْصَارًا، مُتَجَاوِزِينَ وِلَايَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَارِكِيهَا إِلَى وِلَايَتِهِمْ وَمُمَالَأَتِهِمْ عَلَيْهِمْ، لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الدَّوْلَةَ سَتَكُونُ لَهُمْ فَيَجْعَلُونَ لَهُمْ يَدًا عِنْدَهُمْ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ، اسْتِفْهَامُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ، إِنْ كَانُوا يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ وَهِيَ الْمَنَعَةُ وَالْغَلَبَةُ وَرِفْعَةُ الْقَدْرِ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، فَهُوَ يُؤْتِيهَا مَنْ يَشَاءُ فَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَطْلُبُوهَا مِنْهُ بِصِدْقِ الْإِيمَانِ وَالسَّيْرِ عَلَى سُنَّتِهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعِ هِدَايَةِ وَحْيِهِ الَّذِي يُرْشِدُهُمْ إِلَى طُرُقِهَا، وَيُبَيِّنُ أَسْبَابَهَا، وَقَدْ آتَاهَا اللهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِاهْتِدَائِهِمْ بِكِتَابِهِ، وَسِيَرِهِمْ عَلَى سُنَنِهِ، وَلَمَّا أَعْرَضَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ هَذِهِ الْهِدَايَةِ الَّتِي اعْتَزَّ بِهَا سَلَفُهُمْ ذُلُّوا وَسَاءَتْ حَالُهُمْ، وَصَارَ فِيهِمْ مُنَافِقُونَ يُوَالُونَ الْكَفَّارَ دُونَهُمْ، يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ وَالشَّرَفَ وَمَا هُمْ لَهُمَا بِمُدْرِكِينَ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يُوَفِّقَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى تِلْكَ الْهِدَايَةِ فَيَعُودُوا إِلَى حَظِيرَةِ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [63: 8].
|